الاثنين 03-نوفمبر-2025 - 12 جمادى الأول ، 1447
أخبار الأمم السابقة
التـعـريف بالـخـطـبة
تناولت
الخطبة الحديث عن آثار الذنوب وخطورتها على الفرد والمجتمع، فمرت على ذكر أحداث
الأمم السابقة وما حلَّ بها من هلاك ودمار لما عصت ربها وخالفت أمره سبحانه وتعالى.
ثم شرع
الشيخ في تفسير آيات من سورة «الحج» بعد أن بيَّن كيف تأثر النبي صلى الله
عليه وسلم بمعرفة تلك الأخبار حتى كان يستعيذ بالله من الفتن المُهلكة وزوال
النِّعَم.
عـنـاصـر الـخـطـبة
- خطــــر
الذنـــوب على القلــــــوب
- خطر
الذنوب على الأمم والشعوب
- قـصـة
وعـبـــرة
- يقظة تنجي من
مصارع الغفـلات
المـقـدمـة
الحمد
لله رب العالمين، الحمد لله بالإيمان والإسلام والقرآن، الحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وتركها على
المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
صلوات
ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه والتابعين، ومن جاهد بجهادهم
إلى يوم الدين.
أما
بعد أيها الأحباب الكرام..
إني
أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته.
وأوصيكم
ونفسي بتقوى الله، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2}
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق).
ثـنـاء ودعـاء
اللهم
إنا نعوذ بك من الفتن والمحن والإحن، والزلازل، ما ظهر منها وما بطن، اللهم ألِّف
على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى
النور، وانصر المجاهدين، وأكرم الشهداء، وثبت الغرباء، وفك المأسورين، والمسجونين
من إخواننا المسلمين.
وأبرم
لأمتنا أمر رشد يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويُعمل فيه بطاعتك ورضاك، برحمتك يا
أرحم الراحمين.
تمهيد ومدخل
المتتبع
لأخبار الأمم يجدنا نعيش في زمن الفتن، فما من يوم إلا ونسمع فيه قتلاً أو
تشريداً، ما من يوم إلا ونسمع أخبار المسلمين يُذبحون أو يُطردون، أو يسجنون.
ولا
ينجي من هذه الفتن إلا طاعة الله وشكر الله، فهي التي تحافظ على النعم، ونتذكر
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعيش في المجتمع المسلم الذي يحكمه هو، في خير
القرون، بين خير الناس، ومع هذا يدعو قائلاً: «اللهم إني أعوذ بك من
زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك».
هكذا
كان يدعو محمد صلى الله عليه وسلم، فماذا نقول نحن الآن؟
ماذا
نقول ومعظم ديارنا تحكم بغير ما أنزل الله؟ وهي تستحل الربا، وهي تطارد أولياء
الله في كل مكان، وهي توالي الكافرين وتعادي المؤمنين، فسبحان رب العالمين الذي
يصبر على هذا الظلم المركب، فطاعة الله هي طريق النجاة، والذنوب قلّت أو كثرت هي
طريق الدمار.
والناس
في زمننا هذا يحقرون الذنوب، ولا يعلمون أن الجبال من الحصى:
خطر الذنوب على القلوب
رأيت الذنوب تميت
القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة
القلوب وخير لنفسك عصـــيانها
إذا كنت في نعمة
فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكــل
الإله فإن الإله سـريـع الـنـقـــم
يقول
عليه الصلاة والسلام لأمته: «إياكم ومحقرات الذنوب»؛ أي الذنوب التي تحتقرها ولا تظن أنها
تصيب، يجتمعن على المرء حتى يهلكنه، ويضرب لهذا مثلاً، «كمثل قوم كانوا في سفر، في
فلاة، ثم أرادوا أن يطبخوا وينضجوا، فأتى بعود، وذاك بعود، وجمعت العيدان الصغيرة
الحقيرة، قال: فأججوا ناراً فأنضجوا»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ومعظم
النار من مستصغر الشرر.
وغرور دنياك التي تســـــــعى
لها دار حقيــقتها مـــتاع يذهب
دع عنك ما قد فات في
زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
وكان
من وصاياه صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك».
أمسك
عليك لسانك، فمعظم الذنوب منه، لهذا كان من وصاياه: «من ضمن لي ما بين لحييه، وما
بين فخذيه، ضمنت له الجنة».
ما بين
اللحيين هو اللسان، وما بين الفخذين هو الفرج، ومعظم هلاك الناس من هذين.
خطر الذنوب على الأمم والشعوب
والله
جل جلاله في كتابه الكريم، يبين كيف يأخذ القرى الظالمة، والظلم ظلمات، وعندما
يعرض القرآن هذا ينقلنا إلى صورة حية مجسمة، تكاد أن تلمسها بيدك.
والقرآن
كلام الله، ليس سرداً إنشائياً أو تعبيراً أدبياً، كما يفعل البشر فيه الخيال،
لا.. فصل ليس بالهزل، انظروا إلى هذه اللقطة العجيبة، التي تكاد أن تحسها وأنت
تسمع إليها وعندما تسافر فتأتي إلى الآثار والأطلال، وبقايا الدور والقصور، لترى
كيف فعل الله بهم.
أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ)
(الحج: 45).
انظر
إلى العرض القرآني العجيب، انظر إلى هذا الترتيب.
اللقطة
الأولى كل القرية؛ ببيوتها، وأبراجها، وقلاعها، وجسورها، وسدودها، وزروعها، كلها
هامدة، ساكتة، لا حياة فيها ولا حركة، خراب، دمار، لقطة من بعيد.
(فَكَأَيِّن مِّن
قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا): ثم
تبدأ الآية تبين سبب هذا الدمار الشامل، قال: (وَهِيَ ظَالِمَةٌ)،
وضع تحت هذه الكلمة كل نوع من أنواع الظلم، أعظمه الشرك، الذي يعبد مع الله إلهاً
آخر، الذي يشرك بالله في السؤال والطلب والرجاء، والمحبة، والإنابة، والخوف، الذي
يشرك فيعبد القبور والأضرحة، الذي يشرك، فيشرع شرعاً غير شرع الله، يحكم به الناس،
فيحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، حتى يأتي الظلم الذي هو الشرك، فيقترب
ويقترب حتى يكون في الإله داخل الإنسان.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الجاثية: 23)، وإذا الإله ليس حجراً
ولا بشراً، ولا شجراً، ولا بقراً، وإنما هو هوى في النفس، فإذا جاء الهوى، وجاء
الدين، طرد الدين واتبع الهوى.
هو
يأخذ من الدين ما يوافق هواه، وما يتناغم مع مصلحته، نعم، يقرأ القرآن ويختمه كل
أسبوع، ويجد في هذه الختمة إشباع للجوع الروحي في نفسه، لكنه إذا مر على قوله
تعالى: (لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا
أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً) (آل عمران: 130)؛ تغير وجهه، وقطب
حاجبيه، ومضى يأكل الربا، ولا يبالي.
هذا
اتخذ إلهه هواه.. مال الهوى مع الربا فترك الله ورسوله وكتابه ودينه، واتبع إلهه
الربا، اتبع إلهه الخمر، اتبع إلهه الزنى، والويل له إذا استحل ذلك، فهي نقلة
هائلة، من عالم الإيمان والتوحيد إلى الشرك والظلمات.
قال: (وَهِيَ ظَالِمَةٌ( تحت هذه
الكلمة ظلم الأنظمة للناس، وتقسيمهم إلى فئات وأجناس، إلى أن يصل الأمر إلى فئة
مسحوقة مظلومة، مقهورة، لا توظَّف، ولا تعلَّم ولا يُعقد لها للزواج، ولا تُعطى
هوية ولا تُعطى شيئاً من مظاهر حياة الحيوان فضلاً عن حياة الإنسان.
(وَهِيَ
ظَالِمَةٌ):
ظلم الولد لوالديه، وقطيعته لرحمه، وظلم الزوج لزوجاته، وظلم العلماء
بنفاقهم وتملقهم أبواب الطواغيت، وظلم المدراء والمتنفذين والملأ لصغار
الموظفين، وظلم الأثرياء بحبس الزكاة، وماذا أقول؟ وماذا أحسب وأحصي؟
قال: (وَهِيَ ظالمة) هذه الكلمة الخطيرة التي يعبّر عنها النبي صلى الله
عليه وسلم بأنها «ظلمات»، قال: «الظلم ظلمات يوم القيامة».
يقول
الله: (وَهِيَ ظَالِمَةٌ
فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا): خاوية
على عروشها، وتحولت البساتين الغناء والثمار والزروع وعروش العنب المتدلي بجماله
وألوانه، والنخيل البواسق، والمياه المتدفقة، والرياحين المهتزة، والزهور الملونة،
والأطيار والأنهار، والأزهار، كل ذلك تحول إلى خواء، بعضه فوق بعض، متشابك بخيوط
العنكبوت، يعشعش عليه الغراب، والغبار، ولا تجد أنيساً من البشر ولا الوحش.
(فَهِيَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ): وإذا بالبئر التي ينضح منها الماء البارد الرقراق
المصفى، والينبوع الذي يتفجر في قاعها، يوم أن كان الناس يزدحمون حولها، والسواني
والنواعير التي كانت تجلب منها الماء، والجواري الحسان يحملن الجرار يعبئنه من تلك
البئر إلى القصر، تلك الحركة، يوم أن يموت الفلاح من الظمأ، هو الذي يحفر البئر،
ويستنبط الماء، وليس له إلا المستنقعات العكرة، وصاحب القصر المشيد يعبث بالماء
الزلال، ولا يبالي بالعطشى ولا الجوعى.
قصة وعبرة
كذلك
السلطان الذي ذُكر عنه في كتب التاريخ في الأندلس، يوم أن أطلت زوجته من شرفة
قصرها، فرأت الفلاحات على النهر يحملن الجرار ويخضن في الطين، فاشتهت الأميرة أن
تمشي في الطين، لأنها ملّت الحرير، والرياش، والسجاد الفاخر، والستائر المرخاة،
فقال لها السلطان: أبشري بالطين المسكي، فجمع كل المسك في بلده، وطحنه، وعجنه
بالزعفران وماء الورد، ورشه في بهو القصر، ثم قال لها: انزلي وامشي عليه أنت
والجواري.
كل ذلك
من المال العام، من أموال الشعب، ذلك المال المظلوم الذي ينتهبه الجبابرة،
المتنفذون، وتمر الأيام، ويُطاح بهذا الظالم ويودع في السجن، وإذا بزوجته وأولاده
يشحتون في الطرقات، فتقترب إلى قضبان الحديد في السجن، فينظر فإذا هي امرأته
وبناته، حفاة، عراة، شعثاً، غبراً، جياعاً، فقال: من أنت؟ قالت: نعم، أنا، ما رأيت
خيراً منذ أن عرفتك، فقال لها: ولا يوم الطين المسكي؟
يا
امرأة، لو أنني أخرجت ما تحت أظافر قدميك لشممت المسك، ولكن دائماً بطر النعمة
ينزل بعده النقمة، فلنحذر عباد الله.
(وَبِئْرٍ
مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ): كل
القرية خاوية، كل البيوت مهدمة، كل الطرقات محفرة، إلا هذا القصر، إلا هذا القصر،
لأنه بناه سخرة، وعلى أكتاف المظلومين، الموظفون في دولته ووزارته بجميع التخصصات
من أجل بناء القصر، لهذا عوامل التعرية تصطك في الليل والنهار، فلا تؤثر فيه، لا
الرياح ولا الأمطار، ولا الحر ولا البرد، ولا السيول، إنما كما يقول الله: (وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ).
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ
بِهَا) (الحج: 46)، الله أكبر، (أَوْ آذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج: 46).
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ) (الحج: 47): وهنا تكون
الأمة قد انتهت، يوم أن تستعجل العذاب من المصلحين وتستبطئ العذاب من الأنبياء
والمرسلين، وتتمادى في غيها، من سجون، ومعتقلات، وذبح، وتشريد، وأيتام، وأرامل،
وفتك، وهتك، وهو لا يبالي، يأكل ملء بطنه، ويضحك ملء فمه، وينام ملء عينيه، ويلبس
الجديد، ويركب الفاخر، لا ينتبه أن ربك لبالمرصاد، هنا يوم أن يستعجل الظالم
العذاب حيث لا يظن أن هناك القوي العزيز المنتقم، يوم أن يغفل عن الله، ويقول: أين
العذاب الموعود؟ أين الدمار؟ أين الزلازل؟ أين السيول؟ أين المسخ والقذف؟ أين ذلك
كله؟ ها أنا ذا أدمر، ها أنا ذا أفتك وأهتك وأسرق، ويبدأ يستعجل عذاب الله، ماذا
يقول الله؟ الله الصبور، اليوم من أيامه كألف من أيامنا، فهو لا يعجله شيء لحكمة
يؤخره، لا إله غيره، ولا رب سواه.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ
كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47} وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ
لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج).
وإليّ
المصير، فبادت الحضارات التي سادات، أين الإغريق واليونان؟ أين الرومان والآشوريون
والساسانيون والتدمريون؟ أين؟ أين؟ والمصير ينتظر الظالمين من أصحاب الحضارات
الزائفة في زمننا هذا، إنهم يعيشون تحت كلمة (أَمْلَيْتُ لَهَا)، وكما أنه يمهل،
فإنه لا يهمل، لا إله غيره، ولا رب سواه.
يقول
سبحانه وتعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن
نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا
الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء: 16).
يقظة تنجي من مصارع الغفلات
إن
أصحاب القلوب المتيقظة، الواعية، الحية، كقلب سعد بن أبي وقاص، يوم أن دخل مدائن
كسرى، وفتحها فرآها على جمالها وكمالها؛ سجاد تحت قدميه طوله 60 متراً، مزركشاً
بالألماس والجواهر والياقوت والزمرد، وإذا التفت ذات اليمين رأى الأزهار والأطيار
عليه تتمايل كأنها على الطبيعة، وإذا التفت ذات الشمال رأى الأنهار ورأى الينابيع
تهتز على السجاد كأنها على الطبيعة، ورأى صور الملوك الذين سادوا وماتوا وبادوا،
فماذا فعل؟
جثا
على ركبتيه، وخرت دمعتان من عينيه، وتلا وقوله تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِن
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ {26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا
فِيهَا فَاكِهِينَ {27} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ {28} فَمَا
بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)
(الدخان).
ومضوا،
ولم تبك السماء، وفنوا ولم تبك الأرض، وبقي الأحياء يأخذون العبرة والعظة.
اللهم
إنا نسألك يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات، نعوذ بك اللهم من الذنوب
القواطع، نعوذ بك اللهم من الذنوب والظلم، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا،
ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى، وأهل المغفرة،
اللهم اجعل بلادنا وبلاد المسلمين أمناً وإيماناً، نبرأ إليك من ذنوب المذنبين،
وطغيان الطاغين، وظلم الظالمين.
اللهم
إنا نسألك حياة الطيبين، في الدنيا والآخرة، ونجنا والمسلمين أجمعين من عذاب
الدنيا وعذاب الآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول
قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الصادق الأمين، وأشهد ألا إله إلا الله
ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه.
أتلو
على حضراتكم آيات من كتاب الله، كيف جمع الله في هذه الآيات في تلك السورة التي
اختزلت الزمان والمكان، فكأنه حدث واحد.
أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى
أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
{34} وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {35}
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا
الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ {36} فَكَذَّبُوهُ
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {37} وَعَاداً
وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا
مُسْتَبْصِرِينَ {38} وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم
مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ
{39} فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً
وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ
وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا
أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {40} مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء
كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ
الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت).
ويقول
سبحانه: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن
قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ {11}
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ {12} لَا تَرْكُضُوا
وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْأَلُونَ {13} قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ {14} فَمَا
زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ {15} وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) (الأنبياء).
فأين
من يتفكر في السماء؟ وأين من يعتبر في الأرض؟ وأين من لا يتخذ الدين لهواً ولعباً؟
أين أولئك الجادون، الصادقون، المخلصون؟ أين هم في زماننا هذا؟
وأمام
هذا الدمار الشامل، الذي هو في الحقيقة أفتك مما يخافون من الكيماوي والذرة
والهيدروجين إلى آخره، تأتي بشارات النجاة، البشارات الإلهية للصالحين المتقين..
أبشروا عباد الله لا تخافوا، ولا تحزنوا، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ
لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم: 96)، فأنتم في ود الرحمن في
الدنيا وفي الآخرة.
يقول
سبحانه: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا
ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا
الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) (الأعراف:
165)، فالنجاة للآمرين بالمعروف، والناهين عن السوء، والهلاك لأصحاب الظلم.
يقول
سبحانه: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي
الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ
ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ {116} وَمَا كَانَ
رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود).
فاجعل
شعارك الإصلاح، من إماطة الأذى عن الطريق، إلى الصيحة الكبرى طبقوا شرع الله أيها
الحاكمون.
يبشركم
الله تعالى يقول في كتابه: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ {101} فَهَلْ
يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ
فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ {102} ثُمَّ نُنَجِّي
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس).
حق
كتبه الله تعالى على نفسه دون أن يلزمه أحدا، ووعد قطعه على ذاته العلية، أنه ينجي
المؤمنين، فأبشروا، وبشروا من وراءكم بالنجاة في الدنيا والآخرة، قال تعالى عن
نجاة الآخرة، (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ
لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً {68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ
شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً {69} ثُمَّ لَنَحْنُ
أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً {70} وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا
وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً {71} ثُمَّ نُنَجِّي
الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم).
دعاء الختام
اللهم
وعدت أنك لا تخلف الميعاد، اللهم نجنا في الدنيا والآخرة، اللهم صن أعراضنا، واحقن
دماءنا، واجمع شتاتنا، واغن فقرنا، وقو ضعفنا، وثبت أقدامنا، واهد قلوبنا، ونفّس
كربنا، وفرّج همنا، واقبل شهداءنا، وثبت الغرباء، وفك المأسورين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
اللهم
اجعلنا في أمانك، وضمانك، وبرك، وإحسانك، آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، وخفف
لوعاتنا، اللهم نسألك لأمتنا قائداً ربانياً، يسمع كلام الله ويسمعنا، وينقاد إلى
الله ويقودنا.
اللهم
عليك باليهود الملاعين، والصرب الملاعين، وأعداء الدين، من الهندوس عبّاد البقر،
الذين يذبحون المسلمين في كشمير.
اللهم
حرر الأقصى الشريف، وارزقنا فيه صلاة طيبة مباركة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم
انصر المجاهدين، سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، وحقق بالصالحات آمالنا
وآمالهم، واختم بالطاعات أعمالنا وأعمالهم، ونعوذ بك اللهم من الفتن والمحن،
والإحن والزلازل، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم
نسألك العافية، ودوام العافية، وتمام العافية، ولباس العافية، والشكر على العافية،
في الدنيا والآخرة.
اللهم
اكفنا أعداءنا، اللهم اكفنا أعداءنا، اللهم اكفنا أعداءنا بما شئت يا رب العالمين،
نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم
أنت ولينا في الدنيا والآخرة، أنت ملاذنا ومعاذنا ونصيرنا وظهيرنا، وعضدنا، وحسبنا
ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير.
من
أرادنا وجميع المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدبيره تدميره،
احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا،
ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.
اللهم
اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً نافعاً رزق إيمان
وعطاء إيمان، يا أرحم الراحمين.
اللهم
اجعل في أراضينا عشبها ومغناها، اللهم املأ به الضرع، وأنبت به الزرع، وادفع به
البلاء والوباء والغلاء والداء، لا إله غيرك، ولا رب سواك.
هذا
الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان.
ربنا
تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إن
الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً.
اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك
حميد مجيد.
عباد
الله..
إن
الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون.
فاذكروا
الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.